حم والحروف المقطعة
(حم) من الحروف المقطعة، ونريد بها حروف المعجم العربي الهجائية، التي تكرر ورودها في القرآن الكريم.
وقد وردت (حم) بخاصة في سبع سور هي: غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف.
وقد نص جار الله الزمخشري (ت: 538ه) أنها آية في هذه السور كلها مستنداً إلى روايات يؤيده فيها أغلب المفسرين.
وقد اختلف السلف الصالح في المراد من هذه الحروف المقطعة على قولين:
الأول: إن هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي إستأثر به الله تعالى.
الثاني: إن المراد منها معلوم، ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية، وقد تداعت كلمات الاعلام في هذه الأراء حتى نقل الخلف عن السلف، وأستند اللاحق إلى السابق بنسبة وبدون نسبة، ونحاول فيما يلي أن نعطي كشفاً بأبرز هذه الآراء ثم نعقب عليها بما نأنس به ونطمئن إليه.
1_ اختار ابن عباس: أن كل حرف منها مأخوذ من أسماء الله تعالى، ويقاربه ما روي عن السدي والشعبي أنها اسم الله الأعظم.
ولا تعليق لنا على هذا الزعم من ناحيتين:
الأولى: إن أسماء الله تعالى تتداخل بضمنها جميع الحروف في المعجم العربي فلا ميزة لحرف على حرف.
الثانية: إننا نجهل اسم الله الأعظم لاختلاف الآثار فيه إن صح صدور تلك الآثار.
2_ إن الله تعالى أقسم بهذه الحروف على وجهين:
وجه اختاره ابن عباس وعكرمه، بأن هذا القسم بأسمائه لأنها أسماؤه.
ووجه: أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد (ص)، هو الكتاب المنزل لاشك فيه، وذلك يدل على جلالة قدر هذه الحروف إذ كانت مادة البيان، وقد أقسم الله بـ (الفجر) (والطور) وغيرهما، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.
وهذا احتمال جائز يشكل علينا الخوض فيه، وإن كنا لا نميل إليه.
3_ إنها أسماء لسور القرآن، وروي ذلك عن زيد بن أسلم والحسن البصري.
وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز فـ (ألم) اسم لهذه السورة، و (حم) اسم لتلك، وقد وضعت هذه الحروف لتمييز هذه السور عن غيرها، وقد نص على ذلك سيبويه، ونقله الزمخشري عن الأكثرين، وقال فخر الدين الرازي (ت: 606ه) بأنه قول أكثر المتكلمين.
واذا كانت هذه الحروف أسماء لسورها فلا كبير أمر من بحث وجوه تسميتها، ثم الا تلتبس هذه السور بعضها ببعض لاسيما في المكرر منها، كما هو الحال في (حم)، والله العالم.
4_ إنها فواتح يفتتح بها القرآن، وقد روي ذلك عن مجاهد بن جبر، ومقاتل بن سليمان البلخي.
وفائدة هذه الفواتح على وجهين:
الأول: أن يعلم إبتداء السورة وإنقضاء ما قبلها.
الثاني: انها تنبيهات كما في النداء، لأن القرآن كلام عزيز، وفوائده عزيزة، فينبغي أن يرد على سمع متنبه... وإنما لم تستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآن كلام لا يشبه الكلام، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد. لتكون أبلغ في قرع سمعه.
ويميل إلى هذا الرأي كثير من المعاصرين، ويقطع بعضهم بأن المراد من هذه الحروف دون شك هو الافتتاح، كما استفتحت العرب بألا الاستفتاحية وأضرابها.
5_ إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون تعجبهم سبباً لاستماعهم، واستماعهم سبباً لاستماع ما بعده، فترق القلوب وتلين الأفئدة.
6_ إن هذه الحروف تدعو العرب وتناديهم إشارة إلى إعجاز القرآن، بأن هذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد(ص) هو من جنس كلامكم وسنخ حروفكم، ومما يتكون منه معجمكم، فأتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين.