معجزة الصلاة في الوقاية من الدوالي:
[ بحث علمي تقدم به الدكتور توفيق علوان للحصول على درجة الدكتوراه في الجراحة ] إن الوظيفة التي يمارسها المرء لها تأثير جذري على مدى إصابته بدوالي الساقين حيث تبين أن الذين اعتادوا الوقوف لفترات زمنية طويلة مع انعدام الحركة المنتظمة للساقين، يعانون في مدد زمنية، طالت أو قصرت من الإصابة بدوالي الساقين. كما أن للوراثة دوراً لا ينكر في تعدد الإصابة في العائلة الواحدة.
كما أن التدخين يخرب بسمومه كولاجين جدر الأوعية ويعتبر عاملاً مؤثراً في إحداث الدوالي وكانت نسبة المدخنين بين المصابين في هذه الدراسة 65 %.
و إن كلّ أمر جاء به شرعنا العظيم، وإن كان أمراً تعبدياً محضاً، لابد وأن يؤدي بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، كما يؤكد الدكتور توفيق علوان ، إلى منفعة ما، وإلى قدر من الأهمية لجسم الإنسان أو في حياته.
و قد اتفق الفقهاء على ذلك حتى أوردها الإمام الشاطبي في " الموافقات " كقاعدة من قواعد الشريعة، حيث تتيه بها فخراً على كل الشرائع، في نفس الوقت الذي أكدت فيه المكتشفات الطبية الحديثة هذه القاعدة الجلية.
لقد شملت الدراسة 20 شخصاً مصابين بالدوالي و15 سليماً. وقد بلغت نسبة المصلين بين المصابين بالدوالي 10 %، بينما كان 90 % منهم غير مصلين. وقد أثبتت نتائج التجارب المخبرية أن هناك فرقاً بالغاً في قوة جدار الوريد الصافن بين الحالات المصابة والسليمة والتي قيست بعيار نسبة الهدروكسي برولين فيه والتي تعتبر حالياً المؤشر الأمثل لتحديد نسبة الكولاجين في جدار الوريد. فقد وجد أن نسبة الهيدروكسي برولين في السليم 68.68 % وفي المريض 17.75 % وهذا يؤكد وجود آفة ما في التمثيل الغذائي للكولاجين في جدران الوريد المصاب والذي يؤدي إلى ضعفه ثم انهياره تحت تأثير ضغط الدم الوريدي.
و قد درس متوسط قوة جدار الوريد الصافن عند المرضى. فكانت نسبة هدروكسي برولين عند المصلين منهم 26.3 في ارتفاع مذهل عن قوة جدار نفس الأوردة عند المهملين للصلاة، حيث كانت نسبة هدروكسي برولين عندهم 16.43 فقط.
و لكن النتيجة الأكثر إثارة ثبتت بمقارنة قوة جدران الأوردة عند أولئك الذين لم يشكوا قط من الدوالي حيث انقسموا إلى مجموعتين: المثابرين على الصلاة وكانت نسبة هدروكسي برولين في جدار الصافن عندهم 80.93، والمهملين للصلاة وكان المتوسط عندهم 63.4 فقط في نقص مدهش عن المجموعة الأولى مما يثير تساؤلاً كبيراً حول الدور السحري لأداء هذه الفريضة في تقوية جدران الأوردة عند مؤديها
و أعجب ما في الأمر أنه بالقياس الدقيق للضغط الواقع على جدار الوريد الصافن عند مفصل الكعب، وجد انخفاض هائل لهذا الضغط مثير للدهشة أثناء إقامة الصلاة. فقد كان متوسط الضغط الواقع على ظاهر القدم حال الوقوف 93.07 سم / ماء، أما حال الركوع فكان 49.13، وعند السجود الأول 3 سم / ماء فقط، في حين وصل أثناء السجود الثاني إلى 1.33 سم / ماء.
و هذه الأرقام ناطقة تغني عن البيان حيث تتحقق أثناء الصلاة أكمل درجات الاستقرار لهذه الجدران المنهكة تحت الآثار المؤلمة للضغوط عليها. وهي بحركتها المتميزة تؤدي إلى أقصى تخفيض لضغط الدم على جدران أوردة الساق علاوة على أنها تؤدي إلى تنشيط القدرات البنائية في الجسم لمادة الكولاجين ومن ثم لتقوية جدران الأوردة عموماً.
و على الجملة، فإن الصلاة تقوم بكفاءة عجيبة بتنشيط كافة العمليات الحيوية داخل الجسم الإنساني بما فيها عملية التمثيل الغذائي وكعامل نفسي وعضوي فعتال ومؤثر، وفي هذا تبرير كافٍ لهذا الارتفاع الملحوظ عند المصلين في معدلات بناء الكولاجين _ النسيج الرابط المقوي لجدران أوردة الساق _ ثم إن النشاط العضلي للساقين وخاصة تلك الانقباضات المؤثرة لعضلات مؤخر الساق، والتي تعرف بمضخة السمانة له دور كبير في اندفاع الدماء بقوة داخل الأوردة العميقة من أسفل إلى أعلى، ومن ثم من أجل عودتها إلى القلب. ففي حركات الصلاة البالغة المرونة، معونة لتلك المضخة، لا لتؤدي وظيفتها التي خلقت من أجلها فحسب، بل لتضيف إليها من العوامل المقوية والمعضدة لتعزيز عملها على أكمل صورة.
و المتأمل لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن في كل صلاة _ تقريباً _ فترتان زمنيتان في وضعية الوقوف، يقابلها أربع فترات زمنية مساوية في شتى الأوضاع المنشطة للعود الدموي نحو القلب، يعضدهم ويؤازرهم، الهوي المفاجئ من الوقوف إلى السجود والذي يؤدي إلى أقصى استفزاز للمضخة الوريدية الجانبية، علاوة على الجلسة المطمئنة بين السجدتين ثم جلسة التشهد وسط الصلاة التي تدعم الارتياح العام للجسم عموماً وللطرفين السفليين على الأخص، ثم يأتي التشهد الأخير الذي يجعلنا ندرك كيف أن الصلاة إذ تبدأ بالقيام وتنتهي بالجلوس لتضم بينهما تلك الحركات المتضافرة بشكل محكم لتؤدي أقصى تنشيط للسحب الدموي نحو القلب.
و هي تسدي أجل خدمة لأولئك المجبرين على الوقوف ضمن طبيعة عملهم وخلال فترة زمنية تكاد تكون مدمّرة لأوردة سيقانهم، أو لأولئك المضطرين للجلوس وسيقانهم مدلاة في مقاعد وظائفهم، يدعم ذلك الأمر الإلهي بتوزيع الصلوات الخمس بشكل منظم يقسم اليوم الطويل إلى فترات زمنية متقاربة تقدم لهؤلاء قدراً مُرضياً من الراحة.
و خلاصة البحث تؤكد أن الصلاة تعد عاملاً وقائياً من الإصابة بدوالي الساقين بسبب تضافر عوامل ثلاثة:
1. أوضاعها المتميزة المؤدية إلى أقل ضغط واقع على جدران الأوردة الضعيفة في الساقين.
2. تنشيطها لعمل المضخة الوريدية الجانبية وعملها على خفض الضغط على تلك الأوردة
3. تقويتها لجدران الأوردة عن طريق رفع كفاءة البناء الغذائي فيها ضمن رفعها لكفاءة التمثيل الغذائي في الجسم بشكل عام.